وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قطُّ عَيني، وَأَجملُ مِنك لَم تَلد النساءُ، خُلقت مُبرَّءاً مِن كُل عَيب كَأنّكَ قد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
حلقة اليوم إخوتي متابعي ومشاهدي قناة متاع الدنيا والآخرة مُؤثرة ومُفجعة ، كيف لا ونحن بصدد الحديث عن وفاة الرسول عليه أزكى وأفضل التسليم .
نلتقي بعد هذه المقدمة القصيرة ..
قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت له آخر حجة وهي حجة الوداع وبينما هو هناك ينزل قول الله - عز وجل - ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ . فبكى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - { ما يبكيك في الآية } . فقال: هذا نعي رسول الله - عليه السلام .
وبعد رجوعه عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع ، وقبل وفاته بتسعة أيام نزلت آخر آية في القرآن: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
وبدأت علامات الوجع تظهر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال أريد أن أزور شهداء أحد، فراح لشهداء أحد ووقف على قبور الشهداء وقال: {السلام عليكم يا شهداء أحد أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون وإني بكم إن شاء الله لاحق} . وهو راجع بكى الرسول فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله! . قال: { اشتقت لأخواني } قالوا: "أو لسنا إخوانك يا رسول الله!" قال: { لا أنتم أصحابي أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني }.
وقبل الوفاة بثلاث أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان ببيت السيدة ميمونة فقال: { اجمعوا زوجاتي } فجُمعت الزوجات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { أتأذنون لي أن أمر ببيت عائشة فقلن آذنا لك يا رسول الله }. فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملوا النبي فطلعوا به من حُجرة السيدة ميمونة إلى حُجرة السيدة عائشة . مشهد النبي محمولا على الأيادي مشهد يراه الصحابة لأول مرة فتجمعوا وقالوا: "مالِ رسول الله مالِ رسول الله " . وبدأ الناس يتجمعون بالمسجد ويبدأ المسجد يمتلئ بالصحابة ويُحمل النبي إلى بيت عائشة .
فيبدأ الرسول يعرق ويعرق ويعرق وتقول السيدة عائشة: " أنا بعمري لم أر أي إنسان يعرق بهذه الكثافة " فتأخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده، (فلماذا تمسح بيده هو ، وليس بيدها) تقول عائشة: "إن يد رسول الله أطيب وأكرم من يدي فلذلك أمسح عرقه بيده هو ، وليس بيدي أنا" .
تقول السيدة عائشة فأسمعه يقول:{ لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات } فكثر اللفظ أي (بدأ الصوت داخل المسجد يعلو ) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { ما هذا؟ } فقالت عائشة: "إن الناس يخافون عليك يا رسول الله! " فقال: { احملوني إليهم }.
فأراد أن يقوم فما استطاع، فصبوا عليه سبع قرب من الماء لكي يَفيق فحُمل النبي وصُعد به إلى المنبر ، فكانت تلك آخر خطبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآخر كلمات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآخر دعاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال النبي: { أيها الناس كأنكم تخافون علي } قالوا: "نعم يا رسول الله!" .
فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { أيها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله ولكأني أنظر إليه من مقامي هذا، أيها الناس والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم }. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: { أيها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة } . فظل يرددها ثم قال: { أيها الناس اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرا } .
ثم قال: { أيها الناس إن عبداً خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله } ، فما أحد فهم من هو العبد الذي يقصده فقد كان يقصد نفسه أن الله خيّره ولم يفهم سوى أبو بكر الصديق ، وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأن على رؤوسهم الطير فلما سمع أبو بكر كلام الرسول فلم يتمالك نفسه ، فعلا نحيبه (بكاء مع شهقة) ، وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: '' فديناك بآبائنا يا رسول الله! فديناك بأمهاتنا يا رسول الله ! فديناك بأولادنا يا رسول الله! فديناك بأزواجنا يا رسول الله! فديناك بأموالنا يا رسول الله!" ، ويردد ويردد فنظر الناس إلى أبي بكر (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول: { أيها الناس، دعوا أبا بكر؛ فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به، إلا أبو بكر لم أستطع مكافأته، فتركت مكافأته إلى الله عز وجل، كل الأبواب إلى المسجد تُسدُّ إلا باب أبي بكر لا يُسدُّ أبدًا } ، وأخيرًا قبل نزوله من المنبر بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاء للمسلمين ويقول آخر دعواته قبل الوفاة: { آواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبَّتكم الله، أيَّدكم الله، وآخر كلمة قالها، آخر كلمة موجَّهة للأمة من على منبره قبل نزوله قال: أيها الناس، أقرِئوا مني السلام كلَّ مَن تبعني من أمتي إلى يوم القيامة } .
وحُمل مرة أخرى إلى بيته, وهو هناك دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك، فظل النبي صلى الله عليه وسلم, ينظر إلى السواك، ولكنه لم يستطيع أن يطلبه من شدَّة مرضه. ففهمتِ السيدة عائشة رضي الله عنها من نظرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت السواك من عبد الرحمن ووضعتْه في فم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يستطع أن يستاك به، فأخذته من النبي وجعلتْ تليِّنه بفمها وردَّته للنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى؛ حتى يكون طريًّا عليه, فقالت: كان آخر شيء دخل جوف النبي صلى الله عليه وسلم هو ريقي، فكان مِن فضل الله عليَّ أن جمع بين ريقي وريق النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت.
ثم دخلت فاطمة رضي الله عنها بنتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخلت بكت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع القيام؛ لأنه كان يُقبِّلها بين عينيها كلما جاءت إليه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادني مني يا فاطمة, فحدَّثها النبي صلى الله عليه وسلم في أذنها، فبكت أكثر، فلما بكت قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ادني مني يا فاطمة, فحدَّثها مرة أخرى في أذنها، فضحكت, بعد وفاته سُئلت: ماذا قال لك النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: قال لي في المرة الأولى: يا فاطمة، إني ميت الليلة, فبكيت، فلما وجدني أبكي قال: يا فاطمة، أنت أوَّل أهلي لحاقًا بي, فضحكت. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخْرِجوا مَن عندي في البيت, وقال: ادني مني يا عائشة, فنام النبي صلى الله عليه وسلم على صدر زوجته، ويرفع يده للسماء, ويقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى, تقول: السيدة عائشة: '' فعرفتُ أنه يُخيَّر بين حياة الدنيا أو الرفيق الأعلى ''.
فدخل سيدنا جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: يا رسول الله، ملَك الموت بالباب، يستأذن أن يدخل عليك، وما استأذن على أحد من قبلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له يا جبريل, فدخل ملك الموت على النيى صلى الله عليه وسلم, وقال: السلام عليك يا رسول الله، أرسلني الله أُخيِّرك بين البقاء في الدنيا، وبين أن تلحق بالله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، ووقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أيتها الرُّوح الطيبة، رُوح محمد بن عبد الله، اخرجي إلى رِضا من الله ورضوان، ورب راضٍ غير غضبان, تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فسقطت يدُ النبي صلى الله عليه وسلم وثقُل رأسه في صدري، فعرفت أنه قد مات, فلم أدري ما أفعل! فما كان مني غير أن خرجت من حُجرتي وفتحت بابي الذي يطلُّ على الرجال في المسجد، وأقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم! مات رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فأنفجر المسجد بالبكاء فهذا علي ابن أبي طالب أٌقعد من هول الخبر، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً ، وهذا عمر بن الخطاب قال: ''إذا أحد قال إنه قد مات سأقطع رأسه بسيفي إنما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه '' .أما أثبت الناس كان أبو بكر - رضي الله عنه - فدخل على النبي وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً .
ثم خرج للناس يقول: مَن كان يعبد محمدًا، فإنَّ محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت, ويسقط السيف من يد عمر بن الخطاب، يقول: ''فعرفت أنه قد مات, فخرجت أَجري أبحث عن مكان أجلس فيه وحدي؛ لأبكي وحدي'' .
وفي الأخير هنا سؤال يطرح نفسه ما هو واجبنا تجاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ؟ والجواب هو أن هناك عدة أمور منها:
1. كثرة الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم-.
2. اتباع سنته –صلى الله عليه وسلم-.
3. دراسة سيرته- صلى الله عليه وسلم-.
4. زيارة مدينته إن استطعت.
وأخيراً أقول قولي هذا وأسأل الله- تبارك وتعالى - أن يجمعني وإياكم في الفردوس الأعلى وأن يجمعلنا رفقاء للنبي - عليه الصلاة والسلام - في الفردوس الأعلى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق